تكمل
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
تكمل
كنون حول المشهد إلى ديوان الخليفة يشكون ما أصابهم وأصاب المشهد، وهو الأمر الذي يدل على سكنى عدد كبير منهم هناك.
وتأثرت بلدة المشهد الكاظمي بغرق سنة 554 هـ، ثمّ بغرق سنة 569 هـ، وكان الغرق الثاني شديداً جداً أدى إلى هدم البيوت وأكثر سور المشهد.
والظاهر أن البلدة قد أصبحت مأهولة بالسكان بنحو يصح أن يقال فيه: « أهل مشهد موسى بن جعفر »، كما يقال: « أهل الكرخ » أو « أهل المختارة »، وكانوا كثيري العدد. ويروى أن نائب الوزارة ابن العطار أساء إليهم بقسوة بالغة وقطع أرزاقهم وبدد شملهم.
في القرن السابع
ولما حدث فيضان سنة 614 هـ أثَّر في المشهد ومدينته أثراً بالغاً، فقام الناصر لدين الله بتعمير ما خرّبه الماء كما شيَّد سوراً جديداً للمشهد.
وعندما حدث فيضان سنة 646 هـ ـ وكان فظيعاً جداً ـ أثَّر في مدينة المشهد أثراً كبيراً، وكذلك فيضان سنة 654 هـ.
استقلال مدينة الكاظمية
ويحسن بنا وقد انتهينا إلى أواسط القرن السابع أن نقف قليلاً لنرى ما طرأ على هذه المنطقة من تطور وتقدم خلال العصر العباسي الطويل الحافل. والمُشاهَد أن هذه الأرض قد سارت بخطى سريعة في طريق الأزدهار، فانتقلت ـ في فترة قصيرة من عمر الزمان ـ من مقبرة خاصة ببني هاشم أو القرشيين والأشراف من الناس إلى مشهد زاهر خاص بالإمامين الكاظم والجواد عليهما السّلام ثمّ إلى محلة من محلات بغداد العامرة المشهورة، وأخيراً إلى مدينة قائمة بنفسها فيها كل معالم المدن ومرافقها الرئيسية.
وهكذا انطوى العصر العباسي وبلدةُ المشهد الكاظمي « محلةٌ عامرة، فيها خَلقٌ كثير، ذات سور، مفردة ».
ولم نعثر فيما بين أيدينا من مصادر على تحديد لتاريخ انفرادها عن بغداد وصيرورتها مدينة ذات كيان خاص، ولكن الراجح أن ذلك قد تحقق في أواسط القرن الخامس إثر الفتن والاضطرابات التي عمّت العراق وخصّت بغداد نفسها، فدمّرت البلاد وأشاعت الخراب، وسببت انكماش بغداد على نفسها، فانفردت الكاظمية عنها على أثر هذا الضمور والانكماش.
ولما كان خراب بغداد قد ظهر أثره في أوائل القرن الخامس، فإن بدء استقلال مدينة الكاظمية كان في هذه الفترة أيضاً، وربما يؤكد ذلك ويؤيده تعيين النُّقَباء الخاصّين بالمشهد الكاظمي ـ ابتداءً من أوائل القرن الخامس ـ ولم يكن قبل ذلك، حيث يرشدنا إلى بدء انفراد البلدة وازدحامها بالسكان أيضاً بالشكل الذي تدعو فيه الحاجة إلى تعيين نقيب خاص بها غير نقيب العلويين أو الطالبيين ببغداد.
ومهما يكن من أمر، فإن بلدة المشهد الكاظمي قد أصبحت في أُخرَيات العصر العباسي مدينة مفردة تضم سائر مقتضيات المدن ومرافقها من دُور وسكان وعمارة ومؤسسات. ونوجز في أدناه ـ لزيادة الإيضاح ـ جريدة ببعض تلك المشتملات.
وصف مدينة الكاظمية من الداخل
كان المشهد في وسط المدينة قريباً من طرفها الشمالي الغربي، وقد اشتمل على: قبة فخمة، وصندوقين من الخشب الجيد على القبرين، إبهاء وأروقة حول الروضة، أبواب متعددة، صحن فيه حُجَر وإيوان واحد أو أكثر، تُرَب كثيرة حول المشهد، سور يحيط بالمشهد كله، دار للأيتام، دار قرآن لتعليم الخط والقراءة والقرآن الكريم، مكان خاص لدراسة الفقه والحديث، مكتبة، دار لاستراحة الزائرين وإطعامهم في شهر رمضان في الأقل، مارستان « مستشفى » فيه الأدوية والأشربة والمعالجون، نقيب يشرف على شؤون المشهد والبلدة.
وكانت المناسبات الدينية ـ في هذه الفترة الأخيرة من العصر العباسي ـ غاصة بجماهير الزائرين، وفيهم الخليفة ووزراؤه. ثمّ كانت أسر علوية متعددة ـ في هذه الفترة ـ قد اختارت الكاظمية مقراً لسكناها كـ « بني الحدّاد » و « بني نازُوك » و « بني الحطب » وآخرين غيرهم.
كما كان من جملة سكانها أعلام فقهاء وأدباء مبرّزون وعلماء دين لامِعون، عرفنا منهم أفراداً وضاع عنَّا الباقون، بسبب إهمال التاريخ لهم أونسبتهم إلى بغداد، تغليباً لها على كل ما يجاورها من محلات وبقاع.
في الغزو المغولي
في الشهر الأول من عام 656 هـ حاصر الجيش المغولي بغداد، وتم احتلالها يوم الاثنين الثامن عشر من المحرم أو بعد ذلك بأيّام، ورافق هذا الاحتلال عدد من حوادث التخريب والتلف وضروب من المصائب والنكبات.
وعلى الغرم من خروج بلدة المشهد الكاظمي عن خط زحف الجيش المحتل وعدم وجود أية قوة عسكرية عباسية فيها، فقد أُصيبت بشيء من ذلك الخراب العام، كما أصيب المشهد نفسه بالحريق. وسارع الوزير ابن العلقمي إلى الأمر بإصلاح ما تلف وتجديد ما اندثر من البلدة، كما قام صدر الوقوف شهاب الدين علي بن عبدالله بعمارة ما أتلفه الحريق في المشهد المطهر.
في القرن الثامن
ما أن أصل القرن الثامن حتّى كانت المدينة قد سارت أشواطاً في طريق تقدمها، عاجّةً بسكانها، صاخبةً بزوّارها القادمين إليها. يصفها حمد الله المستوفي ـ في أوائل القرن الثامن ـ فيقول: إنها مدينة صغيرة يبلغ طول محيطها آلاف خطوة، وأن سكانها ستة ألاف نسمة.
ويشير إليها صلاح الدين الصَّفَدي في أثناء حديثه عن بغداد ومحلاتها السبعة، فيعتبرها خامسةَ تلك المحلات وأنها مسوّرة.
أما الحنبلي فيذكر أنّها « محلة فيها خلق كثير، وعليها سور ».
وبدأ استعمال لقب « كاظمي » في هذه الفترة، حيث جاء في ترجمة السيّد عبدالكريم آل طاووس ـ وهو من سكان الكاظمية في أواخر القرن السابع ـ أنّه « حلّي المنشأ، بغدادي التحصيل، كاظمي الخاتمة ».
والمؤسف أن تظل معلوماتنا عن هذه الفترة وما طرأ على الكاظمية خلالها ضئيلة جداً، بل بحكم العدم.
في القرن العاشر
وفي أوائل القرن العاشر الهجري دخلت الكاظمية عهداً جديداً من الشأن والاستقلال الإداري الداخلي، وأصبحت مدينة لها كيانها ودورها في الشؤون العامة.
وبدأت الخطوة الأولى نحو هذا العهد الجديد في سنة 914 هـ ـ وهي سنة سيطرة الصفويين على العراق ـ فقد زار الشاه إسماعيل الصفوي الكاظمية وأمر بتشكيل إدارة خاصة بالبلدة ومحكمة شرعية يرأسها قاضٍ يحمل لقب « شيخ الإسلام »، وقد عيَّن الشيخ عبدالله قنديل بهذا المنصب. كما أمر الشاه بتشييد المشهد الكاظمي تشييداً رائعاً فخماً، وتعيين الرواتب لخدام المشهد والمسؤولين عنه.
وعندما زال الاحتلال الصفوي وتم للسلطان سليمان القانوني احتلال العراق سنة 941 هـ لم يتغير وضع الكاظمية السابق، ولما زارها السلطان أمر بإكمال بعض ما لم يتم من عمارة المشهد، وأقرّ رواتب سدنة المشهد والعاملين به.
في القرون الأربعة الأخيرة
حفلت القرون الأربعة الأخيرة ـ أي منذ الاحتلال الصفوي إلى نهاية الاحتلال العثماني ـ بما لا يمكن وصفه من مأسي الأوبئة والطواعين والغرق، وكانت من العنف والشدة والتتابع بشكلٍ حَدَّ من تطور الكاظمية، بل تطور العراق كله إلى أبعد الحدود.
وعلى الرغم من كل هذه العوائق المانعة لأي تقدم وازدهار فقد سارت الكاظمية بخطوات ثابتة في طريقها نحو التقدم، وحافظت على كيانها الخاص خلال العهد الصفوي الأول فالعهد التركي الأول فالعهد الصفوي الثاني ثمّ العهد التركي الثاني والأخير.
ولما تولى مدحت باشا حكم العراق جعل الكاظمية قضاءاً يديره « قائمُ مقام » بعد أن أضاف إلى حدود الكاظمية الإدارية بعض الأراضي والمقاطعات المجاورة.
وتوالت الإصلاحات على الكاظمية خلال مدة حكم مدحت باشا، وكان في طليعتها أمره بتأسيس شركة الترامواي لتسهيل أمر النقل بين الكاظمية وبغداد، ومُدّت سكة الحديد لمسافة سبعة كيلومترات بين كرخ بغداد والكاظمية، وكانت عربات الترامواي تجرّها الخيول.
وفي نحو سنة 1320 هـ أمر المشير هدايت باشا قائد الفيلق العسكري السادس في بغداد بعمل جسر من الخشب عائم بين الكاظمية والأعظمية على نهر دجلة، وبذلك ارتبطت الكاظمية بالجانب الشرقي من بغداد بعد أن ارتبطت بالجانب الغربي منها بواسطة الترامواي.
وفي يوم السبت 24 رجب سنة 1318 هـ تمّ وضع حجر الأساس لبناء سراي الكاظمية، وأُقيم احتفال بهذه المناسبة حضره الوالي نامق باشا والمشير أحمد فيضي وغيرهما من رجال الدولة والوجوه.
وعلى الرغم من قلة المعلومات المتوفرة عن هذه الفترة، فإن النتف المارة الذكر ترشدنا بوضوح إلى استمرار التقدم في البلدة خلال هذه السنين.
ويؤسفنا جداً أن تُعدَم تلك الفترة جداول إحصاء تلقي الأضواء على وضع البلدة من النواحي البشرية والاقتصادية والعمرانية، سوى بعض الإشارات المقتضية التي لا تشبع نَهَم الباحث، ولكنها لا تخلو من الفائدة على كل حال.
فلقد روى المنشي البغدادي أنّه كان في الكاظمية سنة 1237 هـ ثلاثة آلاف بيت. ولو قدّرنا سكان كل بيت بما معدله خمسة أفراد كان مجموع سكان المدينة خمسة عشر ألف نسمة.
وقُدّرت بيوتها في سنة 1273 هـ بألف بيت، وكان عدد الخانات في تلك السنة خمسة، والحمامات أربعة.
وقدرت بيوتها أيّام الاحتلال البريطاني بثلاثة آلاف دار، ونفوسها بخمسة عشر ألف نسمة.
النشاط العلمي والثقافي
أمّا الوضع العلمي والفكري للكاظمية فكان أكثر تقدماً واتساعاً وعمقاً من وضعها العمراني، فقد أنجبت هذه البلدة ـ خلال عمرها الطويل ـ عدداً كبيراً جداً من الفقهاء والأدباء والشعراء والمفكرين والأطباء.
وضمت الكاظمية بين جوانحها مجموعة من المدارس الدينية التي تُعنى بتدريس العلوم الإسلاميّة، وكانت عامرة زاهرة بطلاّبها وأساتذتها وفي طليعتها مدرسة الفقيه السيّد محسن الأعرجي، المؤسَّسةُ في أوائل القرن الثالث عشر الهجري، كما ضمت البلدة عدداً كبيراً من المكتبات الضخمة الحافلة بنفائس المخطوطات وأمهات الكتب.
وإن صح ما يُروى من تأسيس أول مطبعة عراقية حجرية في الكاظمية في سنة 1237 هـ، فإن ذلك يُعدّ في صدر قائمة النشاط العلمي لهذه المدينة في النصف الأول من القرن الماضي.
الوضع السياسي
ومن الناحية السياسية كان للكاظمية رأي وصوت في الشؤون والمشاكل العامة منذ العهد الصفوي الأول حتّى نهاية العهد العثماني الأخير.
وكان أبرز مواقف الكاظمية السياسية: موقفها خلال الحرب العالمية عندما هجم البريطانيون على البصرة، ووصلت برقية استنجاد من وجوه البصرة إلى علماء الكاظمية بتاريخ يوم الاثنين 20 ذي الحجة سنة 1333 هـ، فأصدر العلماء أمراً بوجوب الدفاع عن كل مسلم.
وفي يوم الثلاثاء 12 محرم سنة 1333 هـ خرج السيد مهدي الحيدري قاصداً ساحة الحرب وبصحبته الشيخ مهدي الخالصي وجماعة من المجاهدين، وخرجت البلدة بأسرها لتشيّع ركب الجهاد الزاحف.
ثمّ تواردت على الكاظمية وفود العلماء الزاحفين نحو المعركة من النجف الأشرف وكربلاء، وكانت البلدة تستقبل كل واحد منهم بمنتهى الترحاب والتكريم وتودّعه بمثل ذلك.
واحتل الجيش البريطاني الكاظمية في الساعة التاسعة الغروبية ودقيقتين من عصر اليوم السابع عشر من جمادى الأولى سنة 1335 هـ، فطُويت صفحة احتلال طويل لتبدأ صفحة احتلال آخر.
ولم تنقطع الكاظمية بعد الاحتلال البريطاني الغاشم عن العمل الجاد في محاربته بكل ما أُوتيت من طاقات وقوى مادية ومعنوية، بل كان لها من الدور الكبير في مكافحة المحتل ما حمل ( المس بل ) في رسائلها على وصف هذه البلدة بـ « المتطرفة في إيمانها بالوحدة الإسلاميّة، والمتشددة في مناوأة الإنكليز ».
وحسبنا من نشاط الكاظمية السياسي في محاربة الاحتلال أن نقرأ ما كتبه الكاتب الإنكليزي ( فيليب أيرلاند ) إذ يقول ما نصه:
« وكان الشعور المعادي لبريطانيا في الكاظمية شعوراً قوياً جداً، فقد هدد العلماءُ جميعَ من يصوّت للاحتلال البريطاني بالمروق عن الدين ».
ثمّ حَسبُنا من ذلك النشاط ما ذكره مؤرخو الثورة العراقية الكبرى مِن سَبق الكاظمية في العمل ضد الاحتلال، ومن طبع المنشورات الكاظمية وتوزيعها سراً بتوقيع ( الجمعية الإسلاميّة العربية )، الأمر الذي أقضَّ مضجع السلطة العسكرية المحتلة، فبثت العيون والجواسيس لمعرفة أعضاء هذه الجمعية فلم تقف لهم على أثر أو خبر.[center] :بسم :بسم الله الرحم
وتأثرت بلدة المشهد الكاظمي بغرق سنة 554 هـ، ثمّ بغرق سنة 569 هـ، وكان الغرق الثاني شديداً جداً أدى إلى هدم البيوت وأكثر سور المشهد.
والظاهر أن البلدة قد أصبحت مأهولة بالسكان بنحو يصح أن يقال فيه: « أهل مشهد موسى بن جعفر »، كما يقال: « أهل الكرخ » أو « أهل المختارة »، وكانوا كثيري العدد. ويروى أن نائب الوزارة ابن العطار أساء إليهم بقسوة بالغة وقطع أرزاقهم وبدد شملهم.
في القرن السابع
ولما حدث فيضان سنة 614 هـ أثَّر في المشهد ومدينته أثراً بالغاً، فقام الناصر لدين الله بتعمير ما خرّبه الماء كما شيَّد سوراً جديداً للمشهد.
وعندما حدث فيضان سنة 646 هـ ـ وكان فظيعاً جداً ـ أثَّر في مدينة المشهد أثراً كبيراً، وكذلك فيضان سنة 654 هـ.
استقلال مدينة الكاظمية
ويحسن بنا وقد انتهينا إلى أواسط القرن السابع أن نقف قليلاً لنرى ما طرأ على هذه المنطقة من تطور وتقدم خلال العصر العباسي الطويل الحافل. والمُشاهَد أن هذه الأرض قد سارت بخطى سريعة في طريق الأزدهار، فانتقلت ـ في فترة قصيرة من عمر الزمان ـ من مقبرة خاصة ببني هاشم أو القرشيين والأشراف من الناس إلى مشهد زاهر خاص بالإمامين الكاظم والجواد عليهما السّلام ثمّ إلى محلة من محلات بغداد العامرة المشهورة، وأخيراً إلى مدينة قائمة بنفسها فيها كل معالم المدن ومرافقها الرئيسية.
وهكذا انطوى العصر العباسي وبلدةُ المشهد الكاظمي « محلةٌ عامرة، فيها خَلقٌ كثير، ذات سور، مفردة ».
ولم نعثر فيما بين أيدينا من مصادر على تحديد لتاريخ انفرادها عن بغداد وصيرورتها مدينة ذات كيان خاص، ولكن الراجح أن ذلك قد تحقق في أواسط القرن الخامس إثر الفتن والاضطرابات التي عمّت العراق وخصّت بغداد نفسها، فدمّرت البلاد وأشاعت الخراب، وسببت انكماش بغداد على نفسها، فانفردت الكاظمية عنها على أثر هذا الضمور والانكماش.
ولما كان خراب بغداد قد ظهر أثره في أوائل القرن الخامس، فإن بدء استقلال مدينة الكاظمية كان في هذه الفترة أيضاً، وربما يؤكد ذلك ويؤيده تعيين النُّقَباء الخاصّين بالمشهد الكاظمي ـ ابتداءً من أوائل القرن الخامس ـ ولم يكن قبل ذلك، حيث يرشدنا إلى بدء انفراد البلدة وازدحامها بالسكان أيضاً بالشكل الذي تدعو فيه الحاجة إلى تعيين نقيب خاص بها غير نقيب العلويين أو الطالبيين ببغداد.
ومهما يكن من أمر، فإن بلدة المشهد الكاظمي قد أصبحت في أُخرَيات العصر العباسي مدينة مفردة تضم سائر مقتضيات المدن ومرافقها من دُور وسكان وعمارة ومؤسسات. ونوجز في أدناه ـ لزيادة الإيضاح ـ جريدة ببعض تلك المشتملات.
وصف مدينة الكاظمية من الداخل
كان المشهد في وسط المدينة قريباً من طرفها الشمالي الغربي، وقد اشتمل على: قبة فخمة، وصندوقين من الخشب الجيد على القبرين، إبهاء وأروقة حول الروضة، أبواب متعددة، صحن فيه حُجَر وإيوان واحد أو أكثر، تُرَب كثيرة حول المشهد، سور يحيط بالمشهد كله، دار للأيتام، دار قرآن لتعليم الخط والقراءة والقرآن الكريم، مكان خاص لدراسة الفقه والحديث، مكتبة، دار لاستراحة الزائرين وإطعامهم في شهر رمضان في الأقل، مارستان « مستشفى » فيه الأدوية والأشربة والمعالجون، نقيب يشرف على شؤون المشهد والبلدة.
وكانت المناسبات الدينية ـ في هذه الفترة الأخيرة من العصر العباسي ـ غاصة بجماهير الزائرين، وفيهم الخليفة ووزراؤه. ثمّ كانت أسر علوية متعددة ـ في هذه الفترة ـ قد اختارت الكاظمية مقراً لسكناها كـ « بني الحدّاد » و « بني نازُوك » و « بني الحطب » وآخرين غيرهم.
كما كان من جملة سكانها أعلام فقهاء وأدباء مبرّزون وعلماء دين لامِعون، عرفنا منهم أفراداً وضاع عنَّا الباقون، بسبب إهمال التاريخ لهم أونسبتهم إلى بغداد، تغليباً لها على كل ما يجاورها من محلات وبقاع.
في الغزو المغولي
في الشهر الأول من عام 656 هـ حاصر الجيش المغولي بغداد، وتم احتلالها يوم الاثنين الثامن عشر من المحرم أو بعد ذلك بأيّام، ورافق هذا الاحتلال عدد من حوادث التخريب والتلف وضروب من المصائب والنكبات.
وعلى الغرم من خروج بلدة المشهد الكاظمي عن خط زحف الجيش المحتل وعدم وجود أية قوة عسكرية عباسية فيها، فقد أُصيبت بشيء من ذلك الخراب العام، كما أصيب المشهد نفسه بالحريق. وسارع الوزير ابن العلقمي إلى الأمر بإصلاح ما تلف وتجديد ما اندثر من البلدة، كما قام صدر الوقوف شهاب الدين علي بن عبدالله بعمارة ما أتلفه الحريق في المشهد المطهر.
في القرن الثامن
ما أن أصل القرن الثامن حتّى كانت المدينة قد سارت أشواطاً في طريق تقدمها، عاجّةً بسكانها، صاخبةً بزوّارها القادمين إليها. يصفها حمد الله المستوفي ـ في أوائل القرن الثامن ـ فيقول: إنها مدينة صغيرة يبلغ طول محيطها آلاف خطوة، وأن سكانها ستة ألاف نسمة.
ويشير إليها صلاح الدين الصَّفَدي في أثناء حديثه عن بغداد ومحلاتها السبعة، فيعتبرها خامسةَ تلك المحلات وأنها مسوّرة.
أما الحنبلي فيذكر أنّها « محلة فيها خلق كثير، وعليها سور ».
وبدأ استعمال لقب « كاظمي » في هذه الفترة، حيث جاء في ترجمة السيّد عبدالكريم آل طاووس ـ وهو من سكان الكاظمية في أواخر القرن السابع ـ أنّه « حلّي المنشأ، بغدادي التحصيل، كاظمي الخاتمة ».
والمؤسف أن تظل معلوماتنا عن هذه الفترة وما طرأ على الكاظمية خلالها ضئيلة جداً، بل بحكم العدم.
في القرن العاشر
وفي أوائل القرن العاشر الهجري دخلت الكاظمية عهداً جديداً من الشأن والاستقلال الإداري الداخلي، وأصبحت مدينة لها كيانها ودورها في الشؤون العامة.
وبدأت الخطوة الأولى نحو هذا العهد الجديد في سنة 914 هـ ـ وهي سنة سيطرة الصفويين على العراق ـ فقد زار الشاه إسماعيل الصفوي الكاظمية وأمر بتشكيل إدارة خاصة بالبلدة ومحكمة شرعية يرأسها قاضٍ يحمل لقب « شيخ الإسلام »، وقد عيَّن الشيخ عبدالله قنديل بهذا المنصب. كما أمر الشاه بتشييد المشهد الكاظمي تشييداً رائعاً فخماً، وتعيين الرواتب لخدام المشهد والمسؤولين عنه.
وعندما زال الاحتلال الصفوي وتم للسلطان سليمان القانوني احتلال العراق سنة 941 هـ لم يتغير وضع الكاظمية السابق، ولما زارها السلطان أمر بإكمال بعض ما لم يتم من عمارة المشهد، وأقرّ رواتب سدنة المشهد والعاملين به.
في القرون الأربعة الأخيرة
حفلت القرون الأربعة الأخيرة ـ أي منذ الاحتلال الصفوي إلى نهاية الاحتلال العثماني ـ بما لا يمكن وصفه من مأسي الأوبئة والطواعين والغرق، وكانت من العنف والشدة والتتابع بشكلٍ حَدَّ من تطور الكاظمية، بل تطور العراق كله إلى أبعد الحدود.
وعلى الرغم من كل هذه العوائق المانعة لأي تقدم وازدهار فقد سارت الكاظمية بخطوات ثابتة في طريقها نحو التقدم، وحافظت على كيانها الخاص خلال العهد الصفوي الأول فالعهد التركي الأول فالعهد الصفوي الثاني ثمّ العهد التركي الثاني والأخير.
ولما تولى مدحت باشا حكم العراق جعل الكاظمية قضاءاً يديره « قائمُ مقام » بعد أن أضاف إلى حدود الكاظمية الإدارية بعض الأراضي والمقاطعات المجاورة.
وتوالت الإصلاحات على الكاظمية خلال مدة حكم مدحت باشا، وكان في طليعتها أمره بتأسيس شركة الترامواي لتسهيل أمر النقل بين الكاظمية وبغداد، ومُدّت سكة الحديد لمسافة سبعة كيلومترات بين كرخ بغداد والكاظمية، وكانت عربات الترامواي تجرّها الخيول.
وفي نحو سنة 1320 هـ أمر المشير هدايت باشا قائد الفيلق العسكري السادس في بغداد بعمل جسر من الخشب عائم بين الكاظمية والأعظمية على نهر دجلة، وبذلك ارتبطت الكاظمية بالجانب الشرقي من بغداد بعد أن ارتبطت بالجانب الغربي منها بواسطة الترامواي.
وفي يوم السبت 24 رجب سنة 1318 هـ تمّ وضع حجر الأساس لبناء سراي الكاظمية، وأُقيم احتفال بهذه المناسبة حضره الوالي نامق باشا والمشير أحمد فيضي وغيرهما من رجال الدولة والوجوه.
وعلى الرغم من قلة المعلومات المتوفرة عن هذه الفترة، فإن النتف المارة الذكر ترشدنا بوضوح إلى استمرار التقدم في البلدة خلال هذه السنين.
ويؤسفنا جداً أن تُعدَم تلك الفترة جداول إحصاء تلقي الأضواء على وضع البلدة من النواحي البشرية والاقتصادية والعمرانية، سوى بعض الإشارات المقتضية التي لا تشبع نَهَم الباحث، ولكنها لا تخلو من الفائدة على كل حال.
فلقد روى المنشي البغدادي أنّه كان في الكاظمية سنة 1237 هـ ثلاثة آلاف بيت. ولو قدّرنا سكان كل بيت بما معدله خمسة أفراد كان مجموع سكان المدينة خمسة عشر ألف نسمة.
وقُدّرت بيوتها في سنة 1273 هـ بألف بيت، وكان عدد الخانات في تلك السنة خمسة، والحمامات أربعة.
وقدرت بيوتها أيّام الاحتلال البريطاني بثلاثة آلاف دار، ونفوسها بخمسة عشر ألف نسمة.
النشاط العلمي والثقافي
أمّا الوضع العلمي والفكري للكاظمية فكان أكثر تقدماً واتساعاً وعمقاً من وضعها العمراني، فقد أنجبت هذه البلدة ـ خلال عمرها الطويل ـ عدداً كبيراً جداً من الفقهاء والأدباء والشعراء والمفكرين والأطباء.
وضمت الكاظمية بين جوانحها مجموعة من المدارس الدينية التي تُعنى بتدريس العلوم الإسلاميّة، وكانت عامرة زاهرة بطلاّبها وأساتذتها وفي طليعتها مدرسة الفقيه السيّد محسن الأعرجي، المؤسَّسةُ في أوائل القرن الثالث عشر الهجري، كما ضمت البلدة عدداً كبيراً من المكتبات الضخمة الحافلة بنفائس المخطوطات وأمهات الكتب.
وإن صح ما يُروى من تأسيس أول مطبعة عراقية حجرية في الكاظمية في سنة 1237 هـ، فإن ذلك يُعدّ في صدر قائمة النشاط العلمي لهذه المدينة في النصف الأول من القرن الماضي.
الوضع السياسي
ومن الناحية السياسية كان للكاظمية رأي وصوت في الشؤون والمشاكل العامة منذ العهد الصفوي الأول حتّى نهاية العهد العثماني الأخير.
وكان أبرز مواقف الكاظمية السياسية: موقفها خلال الحرب العالمية عندما هجم البريطانيون على البصرة، ووصلت برقية استنجاد من وجوه البصرة إلى علماء الكاظمية بتاريخ يوم الاثنين 20 ذي الحجة سنة 1333 هـ، فأصدر العلماء أمراً بوجوب الدفاع عن كل مسلم.
وفي يوم الثلاثاء 12 محرم سنة 1333 هـ خرج السيد مهدي الحيدري قاصداً ساحة الحرب وبصحبته الشيخ مهدي الخالصي وجماعة من المجاهدين، وخرجت البلدة بأسرها لتشيّع ركب الجهاد الزاحف.
ثمّ تواردت على الكاظمية وفود العلماء الزاحفين نحو المعركة من النجف الأشرف وكربلاء، وكانت البلدة تستقبل كل واحد منهم بمنتهى الترحاب والتكريم وتودّعه بمثل ذلك.
واحتل الجيش البريطاني الكاظمية في الساعة التاسعة الغروبية ودقيقتين من عصر اليوم السابع عشر من جمادى الأولى سنة 1335 هـ، فطُويت صفحة احتلال طويل لتبدأ صفحة احتلال آخر.
ولم تنقطع الكاظمية بعد الاحتلال البريطاني الغاشم عن العمل الجاد في محاربته بكل ما أُوتيت من طاقات وقوى مادية ومعنوية، بل كان لها من الدور الكبير في مكافحة المحتل ما حمل ( المس بل ) في رسائلها على وصف هذه البلدة بـ « المتطرفة في إيمانها بالوحدة الإسلاميّة، والمتشددة في مناوأة الإنكليز ».
وحسبنا من نشاط الكاظمية السياسي في محاربة الاحتلال أن نقرأ ما كتبه الكاتب الإنكليزي ( فيليب أيرلاند ) إذ يقول ما نصه:
« وكان الشعور المعادي لبريطانيا في الكاظمية شعوراً قوياً جداً، فقد هدد العلماءُ جميعَ من يصوّت للاحتلال البريطاني بالمروق عن الدين ».
ثمّ حَسبُنا من ذلك النشاط ما ذكره مؤرخو الثورة العراقية الكبرى مِن سَبق الكاظمية في العمل ضد الاحتلال، ومن طبع المنشورات الكاظمية وتوزيعها سراً بتوقيع ( الجمعية الإسلاميّة العربية )، الأمر الذي أقضَّ مضجع السلطة العسكرية المحتلة، فبثت العيون والجواسيس لمعرفة أعضاء هذه الجمعية فلم تقف لهم على أثر أو خبر.[center] :بسم :بسم الله الرحم
حلوووه- مدير عام
- عدد الرسائل : 42
تاريخ التسجيل : 11/01/2008
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى