الكاظمية
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الكاظمية
إن أول ما نعلمه عن منطقة الأرض التي تَجثِم « الكاظمية » اليوم في طرفها الشرقي أنّها كانت ـ برواية بعض المؤرخين ـ جزءاً قريباً من الحدود الفاصلة بين دولة الآشوريين من شمالها والكيشيين من الجنوب، في العصور البابلية الأولى، أي قبل الميلاد ببضعة عشر قرناً، ويُروى أن منازعات وحروباً قد وقعت فيها أو قريباً منها بين الدولتين.
والظاهر أن هذه المنطقة قد حَظِيَت ـ لسبب أو لآخر ـ باهتمام خاص من حكومة الكيشيين، حيث نجد أن الملك كوريكالزو ملك الكيشيين يومئذٍ قد بالغ في العناية بهذا الجزء من وقعة مُلكه ببنائه لمدينة « عَقرقُوف » العظيمة التي كانت تسمّى حينذاك «دور ـ كوريكالزو». ولا تزال آثارها باقية حتّى اليوم في جوار الكاظمية على نحو ستّة أميال عنها من جهة الغرب، وهي تنطق بالمهارة الفائقة المبذولة في بناء هذه المدينة الكبيرة وصرحها الشاهق.
وتدلّنا ضخامة أبنية المدينة وجودة بنائها والإسراف فيه على أنّها ظلت مأهولة بالسكان حيناً طويلاً من الدهر، ويُرجَّح كثيراً أنّها كانت عاصمة السلالة الكيشية منذ بداية القرن الخامس عشر قبل الميلاد وإلى نهاية تلك السلالة.
وهكذا تظل « عَقرقُوف » هي الأثر الأول الذي وصل إلينا علمُه في أصل الأرض التي سمّيت بعض أطرافها بـ « مقابر قريش » ثمّ « مشهد باب التِّبن » ثمّ « المشهد الكاظمي » فـ « الكاظمية » بعد ذلك بعشرات القرون.
وبقيت هذه الأرض مجهولة الحقيقة في العهود التالية للعهد الكيشي كالعهد السلوقي والأخميني والفرثي والساساني، وإن رجح في أكثر الظن أنّها كانت غير خالية من الحياة والسكان ولو لغرض الزراعة في الأقل.
ويتضح من دراسة الأنهار والقرى والمدن المحيطة بدجلة، ابتداءً من « دور ـ كوريكالزو » في الشمال الغربي حتّى « المدائن » في الجنوب الشرقي: أن المنطقة التي شَيّد المنصور مدينته عليها ـ وهي منطقة بغداد بجانبها الغربي والشرقي ـ كانت عامرة برِيّها ومزارعها منذ أقدم العصور.
وأرض الكاظمية الحالية كانت جزءاً من هذه المنطقة العامرة الخضراء بلا شك، وإن لم نكن نعرف شيئاً من تفصيل ذلك.
وترشدنا كتب البلدان إلى أن القرى والمدن الواقعة جنوب أرض الكاظمية وشرقيّها وجنوبها الغربي ـ قبل الإسلام ـ كانت كثيرة متعددة، تتسلسل وتتلاحق حتّى تصل إلى مدينة « المدائن » الضخمة شرقيّ دجلة و « سلوقية » الكبرى غربيّها، وكلتا المدينتين الأخيرتين عاصمة كبيرة لدولة كبيرة، وتُعَدّان من العواصم الفخمة الرائعة في تلك العهود.
ومن أقرب تلك القرى إلى أرض الكاظمية قرية « سوانا » التي كانت واقعة في الجنوب الشرقي للكاظمية الحالية، وهي « قرية قديمة... ينسب إليها العنب الأسود الذي يتقدّم ويُبكّر على سائر العنب مَجْناه، ولما عمرت بغداد دخلت هذه القرية لعلي بن أبي طالب « رضي الله عنه » يعرف بمشهد المنطقة (1). وما زالت تسمى حتّى اليوم بـ « المنطقة » بين الكاظمية والكرخ.
وآخر عهدنا بأرض الكاظمية قبل تأسيس بغداد أنّها كانت تُسمّى « الشُّونيزي »، فإن صدقت الرواية فمقتضاها أن هذه التسمية قد أُطلِقت بعد انتهاء العهد الساساني، لأن التسمية عربية، والشونيز في اللغة هو الحبّة السوداء، والنسبة إليها شونيزي.
يروي الخطيب البغدادي ما سمعه بصدد هذه التسمية فيقول: « سمعتُ بعض شيوخنا يقول: مقابر قريش كانت قديماً تعرف بمقبرة الشونيزي الصغير، والمقبرة التي وراء التوثة تعرف بمقبرة الشونيزي الكبير، أخَوان يقال لكل واحد منهما ـ الشونيزي ـ فدفن كل واحد منهما في إحدى هاتين المقبرتين ونُسبت المقبرة إليه.
ويستفاد من روايات بعض المؤرخين أن المنطقة المجاورة لموضع الكاظمية من جهة الشرق كانت قبل إنشاء مدينة المنصور بستاناً لبعض ملوك فارس، ثمّ أقطعها المنصورُ عمارةَ بن حمزة أحد مَواليه، فسُمّيت دار عمارة.
وفي عام 145 هـ ابتدأ المنصور العبّاسيّ بتأسيس مدينته المدوَّرة « بغداد »، واستتمّ البناء ـ في رواية الخطيب الغبداديّ ـ في سنة 146 هـ، ثمّ استتم بناء سور المدينة وفرغ من خندقها وسائر شؤونها في سنة 149 هـ.
ولما أنهى المنصور عمارة مدينته اقتطع « الشونيزي الصغير » المجاورة لمدينته من جهة الشمال فجعلها مقبرة، ولعله اعتبرها خاصة بعائلته وأسرته فسماها «مقابر قريش». وربما اختار لفظ « قريش » ليشير إلى مشاركة فيها، وقد تسمى أيضاً «مقابر بني هاشم»، ويروي الشيخ المفيد أنّها كانت مقبرة لبني هاشم والأشراف من الناس.
مقابر قري
ومع مرور الأيّام دُرِس اسمها « الشونيزي الصغير »، واشتهرت باسمها الجديد « مقابر قريش ».
وكان أول من دفن في هذه المقابر: جعفر الأكبر بن أبي جعفر المنصور، وذلك في سنة 150 هـ، ثمّ توالى الدفن فيها بعد ذلك.
وفي عام 183 هـ لخمس بَقِينَ من رجب توفي الإمام موسى بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام، وكان قد دُسّ إليه السم من قبل السِّندي بن شاهك فقضى عليه، وحُمل جثمانه الطاهر إلى مقابر قريش فدفن هناك حيث قبره الشريف الآن.
وذهب بعض المؤرخين إلى أنّه «دفن في موضع كان ابتاعه لنفسه في مقابر قريش»، فإن صحت هذه الرواية فإنّها لَتدل على مقدار ما حَظِيت به هذه الأرض من الأهمية خلال مدة قصيرة لا تتجاوز ثلاثة عقود من السنين.
واشتهر مدفن الإمام بعد ذلك باسم « مشهد باب التِّبن »، نسبةً إلى باب التبن الذي كان في شرقيّه ممّا يَقرُب من دجلة، كما أن المسجد المجاور لقبر الإمام عليه السّلام كان يسمّى « مسجد باب التبن » أيضاً.
وفي عام 220 هـ في آخر ذي القعدة أو لخمس أو لستّ خَلَون من ذي الحجة توفي ببغداد الإمام أبو جعفر محمّد الجواد بن عليّ الرضا بن موسى بن جعفر عليهم السّلام، ودفن في تربة جده أبي إبراهيم موسى بن جعفر عليه السّلام.
وأصبح السكن حول مقابر قريش ـ بعد دفن الإمامين فيها ـ في ازدياد واتساع على مرور الأيّام، وإن لم نعثر في المصادر التاريخية على نص خاص يحدد لنا تاريخاً تحقيقياً لبدء السكنى هناك.
والواقع أننا لو أمعنَّا النظر جليّاً في الموقع الجغرافي لـ « مقابر قريش » يومذاك من حيث قربها من دجلة وجودة تربتها ومجاورتها للقرى والأرياف والمزارع الوارفة الظلال، لخرجنا بترجيح يشبه الاعتقاد بكون السكنى في هذه المنطقة قديمة قِدَمَ الماء والخضراء، ولكنه ازداد اتساعاً بعد تأسيس المنصور مدينته قريبة منها واختيارها عاصمة الدولة العباسية، ثمّ أخذ طريقة التجمع والتقارب بعد دفن الإمامين عليهم السّلام، حيث دفعت العقيدة الدينية بعض الناس إلى السكنى حول المشهد لحمايته وإدارته وإيواء زائريه إضافة إلى قصد الانتفاع المادي من أولئك الزائرين بتقديم المأكل والمشرب والمأوى لهم، وكان هذا التجمع حول المشهد هو النواة الأولى لمدينة الكاظمية.
ويستفاد من مجموع النصوص التاريخية المتعلقة بالعصر العباسي الأول أن هذه المنطقة المغمورة قد قفزت قفزات واسعة إلى الإمام فأصبحت جزءاً متصلاً ببغداد، بل محلة من محلاتها، وصارت تُحدَّد يومذاك بكونها بين الحربية ومقبرة ابن حنبل والحريم الطاهري، في الوقت الذي كانت فيه بغداد من الصَّراة إلى باب التبن، ثمّ زِيد فيها حتّى بلغت كلواذى والمخرم وقَطْرَبُل.
شومعنى ذلك أن « مقابر قريش » كانت متصلة بالمحلات الآتية:
1 ـ باب التِّبن: وهو محلة كبيرة كانت ببغداد على الخندق بإزاء قَطيعة أمّ جعفر، ويلصق هذا الموضع في مقابر قريش، وكانت في عصر ياقوت الحموي ( مؤلف كتاب معجم البلدان ) خراباً صحراء لا يزرع فيها.
2 ـ قطيعة أم جعفر زبيدة بنت المنصور: محلة ببغداد عند باب التبن قرب الحريم.
3 ـ الحريم الطاهري: وهو بأعلى بغداد في الجانب الغربي بين الكاظمية والمنطقة، منسوب إلى طاهر بن الحسين. ويروي ياقوت أن العمارات كانت متصلة وهو في وسطها، ثمّ خرب جميع ما حوله وبقي كالبلدة المفردة في وسط الخراب.
4 ـ دار عمارة: منسوبة لعمارة بن حمزة أحد موالي المنصور، ويتصل بها رَبض أبي حنيفة وربض عثمان بن نُهَيك، وهو ما بين دار عمارة ومقابر قريش.
5 ـ رَبض أبي حنيفة أحد قوّاد المنصور: محلة كانت ببغداد قرب الحريم الطهري، تتصل بباب التبن من مقابر قريش.
6 ـ الحربية: وهي محلة مشهورة كبيرة عند باب حرب في شمال الكاظمية الغربي، تُنسب إلى حرب البلخي من قوّاد المنصور، وقد خرب جميع ما كان يجاورها في عصر ياقوت وبقيت وحدها كالبلدة المفردة في وسط الصحراء.
ويتضح من هذا كله أن مقابر قريش بعد أن أصبحت تعد جزءاً من بغداد ومحلة من محلاتها صارت منطقة عامرة بالسكان زاخرة بالعمران، شأنها في ذلك شأن سائر المحلات البغدادية الشرقية والغربية.
في القرن الرابع
وفي أوائل القرن الرابع كانت المنازل حول مقابر قريش كثيرة، وكان بعض تلك المنازل مشتملاً على حُجَر ولكل حُجرة باب أو أكثر، ويرشدنا إلى ذلك ما رواه مسكويه في حوادث سنة 312 هـ.
وفي عام 334 هـ سيطر معزّ الدولة البُويهي على أزمّة الحكم في بغداد، وكان من جملة أعماله خلال أيّام ملكه: تشييد المرقد الكاظمي تشييداً رائعاً في عمارته وإنزال جماعة من الجنود الديالمة ومعهم أفراد من المراوزة هناك لغرض الخدمة والحفاظ على الأمن. وكان ذلك سبباً جديداً وذا أهمية في توسع السكن وانتشار الدُّور حول المشهد.
وكان من جملة آثار استتباب الأمن في العهد البويهي والتصاق ـ أو اندماج ـ مقابر قريش ببغداد: ذهاب الناس في أعداد غفيرة إليها في الجمعات والمواسم والمناسبات الدينية. ولابد أنّه كان في المشهد وحوله من محلات الراحة والأكل والشرب والوقاية من البرد والمطر وشمس الصيف ما يناسب تلك الأعداد الضخمة التي كانت تُهرَع إلى المشهد في كل مناسبة دينية، كذكرى عيد الغدير وذكرى مقتل الإمام الحسين عليه السّلام يوم عاشوراء وفيما شابه ذلك من المناسبات.
وفي سنة 367 هـ أصيبت البلدة بالغرق، ولم تصلنا تفاصيل ذلك.
وفي النصف الثاني من القرن الرابع تأصّل السكن في هذه المدينة حتّى صحّ أن يُطلَق على المقيمين هناك اسم السكّان، كما حدث عندما أمر عضد الدولة البويهي بإطلاق الصِّلات لأهل الشرف وغيرهم من ذوي الفاقة.
وكان من أسباب ازدياد العمران في هذه المدينة الناشئة أن أبا طاهر سباشي الملقب بالسعيد حاجب شرف الدولة بن عضد الدولة قام بحفر ذُنابة لنهر دُجَيل وسَوق الماء منها إلى مشهد موسى بن جعفر عليه السّلام، وكان ذلك ما بين عام 376 ـ 379 هـ وهي أعوام مَكْث شرف الدولة ببغداد.
في القرن الخامس
ويستفاد من النصوص التاريخية المتعلقة بتلك الفترة تَزايدُ السكان حول المشهد في أواسط القرن الخامس، وإن كثيراً منهم من العلويين، كما يستفاد منها أيضاً وجود دور للسكنى داخل سور المشهد ودور خارجه. جاء في رواية ابن الجوزي في حوادث سنة 450 هـ ما نصه: « وحُمل الخليفة إلى المشهد بمقابر قريش وقيل له: تبيت فيها، فامتنع وقال: هؤلاء العلويون الذين بها يُعادوني ».
وفي غرق سنة 466 هـ ـ وكان بالِغَ الخطر ـ تَهدّم سُور المشهد، وتقضي العادة بتأثر ما يحيط بالمشهد من الدور بالماء، ولكننا لم نعرف تفصيله.
في القرن السادس
في فتنة 517 هـ جاء العلويون الساالله الرحم :بسم الله الرحم :بسم الله الرحم [center] :بسم الله الرحم :بسم الله الرحم :بسم الله الرحم :بسم الله الرحم سيأتي التكم
والظاهر أن هذه المنطقة قد حَظِيَت ـ لسبب أو لآخر ـ باهتمام خاص من حكومة الكيشيين، حيث نجد أن الملك كوريكالزو ملك الكيشيين يومئذٍ قد بالغ في العناية بهذا الجزء من وقعة مُلكه ببنائه لمدينة « عَقرقُوف » العظيمة التي كانت تسمّى حينذاك «دور ـ كوريكالزو». ولا تزال آثارها باقية حتّى اليوم في جوار الكاظمية على نحو ستّة أميال عنها من جهة الغرب، وهي تنطق بالمهارة الفائقة المبذولة في بناء هذه المدينة الكبيرة وصرحها الشاهق.
وتدلّنا ضخامة أبنية المدينة وجودة بنائها والإسراف فيه على أنّها ظلت مأهولة بالسكان حيناً طويلاً من الدهر، ويُرجَّح كثيراً أنّها كانت عاصمة السلالة الكيشية منذ بداية القرن الخامس عشر قبل الميلاد وإلى نهاية تلك السلالة.
وهكذا تظل « عَقرقُوف » هي الأثر الأول الذي وصل إلينا علمُه في أصل الأرض التي سمّيت بعض أطرافها بـ « مقابر قريش » ثمّ « مشهد باب التِّبن » ثمّ « المشهد الكاظمي » فـ « الكاظمية » بعد ذلك بعشرات القرون.
وبقيت هذه الأرض مجهولة الحقيقة في العهود التالية للعهد الكيشي كالعهد السلوقي والأخميني والفرثي والساساني، وإن رجح في أكثر الظن أنّها كانت غير خالية من الحياة والسكان ولو لغرض الزراعة في الأقل.
ويتضح من دراسة الأنهار والقرى والمدن المحيطة بدجلة، ابتداءً من « دور ـ كوريكالزو » في الشمال الغربي حتّى « المدائن » في الجنوب الشرقي: أن المنطقة التي شَيّد المنصور مدينته عليها ـ وهي منطقة بغداد بجانبها الغربي والشرقي ـ كانت عامرة برِيّها ومزارعها منذ أقدم العصور.
وأرض الكاظمية الحالية كانت جزءاً من هذه المنطقة العامرة الخضراء بلا شك، وإن لم نكن نعرف شيئاً من تفصيل ذلك.
وترشدنا كتب البلدان إلى أن القرى والمدن الواقعة جنوب أرض الكاظمية وشرقيّها وجنوبها الغربي ـ قبل الإسلام ـ كانت كثيرة متعددة، تتسلسل وتتلاحق حتّى تصل إلى مدينة « المدائن » الضخمة شرقيّ دجلة و « سلوقية » الكبرى غربيّها، وكلتا المدينتين الأخيرتين عاصمة كبيرة لدولة كبيرة، وتُعَدّان من العواصم الفخمة الرائعة في تلك العهود.
ومن أقرب تلك القرى إلى أرض الكاظمية قرية « سوانا » التي كانت واقعة في الجنوب الشرقي للكاظمية الحالية، وهي « قرية قديمة... ينسب إليها العنب الأسود الذي يتقدّم ويُبكّر على سائر العنب مَجْناه، ولما عمرت بغداد دخلت هذه القرية لعلي بن أبي طالب « رضي الله عنه » يعرف بمشهد المنطقة (1). وما زالت تسمى حتّى اليوم بـ « المنطقة » بين الكاظمية والكرخ.
وآخر عهدنا بأرض الكاظمية قبل تأسيس بغداد أنّها كانت تُسمّى « الشُّونيزي »، فإن صدقت الرواية فمقتضاها أن هذه التسمية قد أُطلِقت بعد انتهاء العهد الساساني، لأن التسمية عربية، والشونيز في اللغة هو الحبّة السوداء، والنسبة إليها شونيزي.
يروي الخطيب البغدادي ما سمعه بصدد هذه التسمية فيقول: « سمعتُ بعض شيوخنا يقول: مقابر قريش كانت قديماً تعرف بمقبرة الشونيزي الصغير، والمقبرة التي وراء التوثة تعرف بمقبرة الشونيزي الكبير، أخَوان يقال لكل واحد منهما ـ الشونيزي ـ فدفن كل واحد منهما في إحدى هاتين المقبرتين ونُسبت المقبرة إليه.
ويستفاد من روايات بعض المؤرخين أن المنطقة المجاورة لموضع الكاظمية من جهة الشرق كانت قبل إنشاء مدينة المنصور بستاناً لبعض ملوك فارس، ثمّ أقطعها المنصورُ عمارةَ بن حمزة أحد مَواليه، فسُمّيت دار عمارة.
وفي عام 145 هـ ابتدأ المنصور العبّاسيّ بتأسيس مدينته المدوَّرة « بغداد »، واستتمّ البناء ـ في رواية الخطيب الغبداديّ ـ في سنة 146 هـ، ثمّ استتم بناء سور المدينة وفرغ من خندقها وسائر شؤونها في سنة 149 هـ.
ولما أنهى المنصور عمارة مدينته اقتطع « الشونيزي الصغير » المجاورة لمدينته من جهة الشمال فجعلها مقبرة، ولعله اعتبرها خاصة بعائلته وأسرته فسماها «مقابر قريش». وربما اختار لفظ « قريش » ليشير إلى مشاركة فيها، وقد تسمى أيضاً «مقابر بني هاشم»، ويروي الشيخ المفيد أنّها كانت مقبرة لبني هاشم والأشراف من الناس.
مقابر قري
ومع مرور الأيّام دُرِس اسمها « الشونيزي الصغير »، واشتهرت باسمها الجديد « مقابر قريش ».
وكان أول من دفن في هذه المقابر: جعفر الأكبر بن أبي جعفر المنصور، وذلك في سنة 150 هـ، ثمّ توالى الدفن فيها بعد ذلك.
وفي عام 183 هـ لخمس بَقِينَ من رجب توفي الإمام موسى بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام، وكان قد دُسّ إليه السم من قبل السِّندي بن شاهك فقضى عليه، وحُمل جثمانه الطاهر إلى مقابر قريش فدفن هناك حيث قبره الشريف الآن.
وذهب بعض المؤرخين إلى أنّه «دفن في موضع كان ابتاعه لنفسه في مقابر قريش»، فإن صحت هذه الرواية فإنّها لَتدل على مقدار ما حَظِيت به هذه الأرض من الأهمية خلال مدة قصيرة لا تتجاوز ثلاثة عقود من السنين.
واشتهر مدفن الإمام بعد ذلك باسم « مشهد باب التِّبن »، نسبةً إلى باب التبن الذي كان في شرقيّه ممّا يَقرُب من دجلة، كما أن المسجد المجاور لقبر الإمام عليه السّلام كان يسمّى « مسجد باب التبن » أيضاً.
وفي عام 220 هـ في آخر ذي القعدة أو لخمس أو لستّ خَلَون من ذي الحجة توفي ببغداد الإمام أبو جعفر محمّد الجواد بن عليّ الرضا بن موسى بن جعفر عليهم السّلام، ودفن في تربة جده أبي إبراهيم موسى بن جعفر عليه السّلام.
وأصبح السكن حول مقابر قريش ـ بعد دفن الإمامين فيها ـ في ازدياد واتساع على مرور الأيّام، وإن لم نعثر في المصادر التاريخية على نص خاص يحدد لنا تاريخاً تحقيقياً لبدء السكنى هناك.
والواقع أننا لو أمعنَّا النظر جليّاً في الموقع الجغرافي لـ « مقابر قريش » يومذاك من حيث قربها من دجلة وجودة تربتها ومجاورتها للقرى والأرياف والمزارع الوارفة الظلال، لخرجنا بترجيح يشبه الاعتقاد بكون السكنى في هذه المنطقة قديمة قِدَمَ الماء والخضراء، ولكنه ازداد اتساعاً بعد تأسيس المنصور مدينته قريبة منها واختيارها عاصمة الدولة العباسية، ثمّ أخذ طريقة التجمع والتقارب بعد دفن الإمامين عليهم السّلام، حيث دفعت العقيدة الدينية بعض الناس إلى السكنى حول المشهد لحمايته وإدارته وإيواء زائريه إضافة إلى قصد الانتفاع المادي من أولئك الزائرين بتقديم المأكل والمشرب والمأوى لهم، وكان هذا التجمع حول المشهد هو النواة الأولى لمدينة الكاظمية.
ويستفاد من مجموع النصوص التاريخية المتعلقة بالعصر العباسي الأول أن هذه المنطقة المغمورة قد قفزت قفزات واسعة إلى الإمام فأصبحت جزءاً متصلاً ببغداد، بل محلة من محلاتها، وصارت تُحدَّد يومذاك بكونها بين الحربية ومقبرة ابن حنبل والحريم الطاهري، في الوقت الذي كانت فيه بغداد من الصَّراة إلى باب التبن، ثمّ زِيد فيها حتّى بلغت كلواذى والمخرم وقَطْرَبُل.
شومعنى ذلك أن « مقابر قريش » كانت متصلة بالمحلات الآتية:
1 ـ باب التِّبن: وهو محلة كبيرة كانت ببغداد على الخندق بإزاء قَطيعة أمّ جعفر، ويلصق هذا الموضع في مقابر قريش، وكانت في عصر ياقوت الحموي ( مؤلف كتاب معجم البلدان ) خراباً صحراء لا يزرع فيها.
2 ـ قطيعة أم جعفر زبيدة بنت المنصور: محلة ببغداد عند باب التبن قرب الحريم.
3 ـ الحريم الطاهري: وهو بأعلى بغداد في الجانب الغربي بين الكاظمية والمنطقة، منسوب إلى طاهر بن الحسين. ويروي ياقوت أن العمارات كانت متصلة وهو في وسطها، ثمّ خرب جميع ما حوله وبقي كالبلدة المفردة في وسط الخراب.
4 ـ دار عمارة: منسوبة لعمارة بن حمزة أحد موالي المنصور، ويتصل بها رَبض أبي حنيفة وربض عثمان بن نُهَيك، وهو ما بين دار عمارة ومقابر قريش.
5 ـ رَبض أبي حنيفة أحد قوّاد المنصور: محلة كانت ببغداد قرب الحريم الطهري، تتصل بباب التبن من مقابر قريش.
6 ـ الحربية: وهي محلة مشهورة كبيرة عند باب حرب في شمال الكاظمية الغربي، تُنسب إلى حرب البلخي من قوّاد المنصور، وقد خرب جميع ما كان يجاورها في عصر ياقوت وبقيت وحدها كالبلدة المفردة في وسط الصحراء.
ويتضح من هذا كله أن مقابر قريش بعد أن أصبحت تعد جزءاً من بغداد ومحلة من محلاتها صارت منطقة عامرة بالسكان زاخرة بالعمران، شأنها في ذلك شأن سائر المحلات البغدادية الشرقية والغربية.
في القرن الرابع
وفي أوائل القرن الرابع كانت المنازل حول مقابر قريش كثيرة، وكان بعض تلك المنازل مشتملاً على حُجَر ولكل حُجرة باب أو أكثر، ويرشدنا إلى ذلك ما رواه مسكويه في حوادث سنة 312 هـ.
وفي عام 334 هـ سيطر معزّ الدولة البُويهي على أزمّة الحكم في بغداد، وكان من جملة أعماله خلال أيّام ملكه: تشييد المرقد الكاظمي تشييداً رائعاً في عمارته وإنزال جماعة من الجنود الديالمة ومعهم أفراد من المراوزة هناك لغرض الخدمة والحفاظ على الأمن. وكان ذلك سبباً جديداً وذا أهمية في توسع السكن وانتشار الدُّور حول المشهد.
وكان من جملة آثار استتباب الأمن في العهد البويهي والتصاق ـ أو اندماج ـ مقابر قريش ببغداد: ذهاب الناس في أعداد غفيرة إليها في الجمعات والمواسم والمناسبات الدينية. ولابد أنّه كان في المشهد وحوله من محلات الراحة والأكل والشرب والوقاية من البرد والمطر وشمس الصيف ما يناسب تلك الأعداد الضخمة التي كانت تُهرَع إلى المشهد في كل مناسبة دينية، كذكرى عيد الغدير وذكرى مقتل الإمام الحسين عليه السّلام يوم عاشوراء وفيما شابه ذلك من المناسبات.
وفي سنة 367 هـ أصيبت البلدة بالغرق، ولم تصلنا تفاصيل ذلك.
وفي النصف الثاني من القرن الرابع تأصّل السكن في هذه المدينة حتّى صحّ أن يُطلَق على المقيمين هناك اسم السكّان، كما حدث عندما أمر عضد الدولة البويهي بإطلاق الصِّلات لأهل الشرف وغيرهم من ذوي الفاقة.
وكان من أسباب ازدياد العمران في هذه المدينة الناشئة أن أبا طاهر سباشي الملقب بالسعيد حاجب شرف الدولة بن عضد الدولة قام بحفر ذُنابة لنهر دُجَيل وسَوق الماء منها إلى مشهد موسى بن جعفر عليه السّلام، وكان ذلك ما بين عام 376 ـ 379 هـ وهي أعوام مَكْث شرف الدولة ببغداد.
في القرن الخامس
ويستفاد من النصوص التاريخية المتعلقة بتلك الفترة تَزايدُ السكان حول المشهد في أواسط القرن الخامس، وإن كثيراً منهم من العلويين، كما يستفاد منها أيضاً وجود دور للسكنى داخل سور المشهد ودور خارجه. جاء في رواية ابن الجوزي في حوادث سنة 450 هـ ما نصه: « وحُمل الخليفة إلى المشهد بمقابر قريش وقيل له: تبيت فيها، فامتنع وقال: هؤلاء العلويون الذين بها يُعادوني ».
وفي غرق سنة 466 هـ ـ وكان بالِغَ الخطر ـ تَهدّم سُور المشهد، وتقضي العادة بتأثر ما يحيط بالمشهد من الدور بالماء، ولكننا لم نعرف تفصيله.
في القرن السادس
في فتنة 517 هـ جاء العلويون الساالله الرحم :بسم الله الرحم :بسم الله الرحم [center] :بسم الله الرحم :بسم الله الرحم :بسم الله الرحم :بسم الله الرحم سيأتي التكم
حلوووه- مدير عام
- عدد الرسائل : 42
تاريخ التسجيل : 11/01/2008
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى